السبت، 27 أكتوبر 2018

الامن الفكري


الأمن الفكري
ورقة عمل مقدمة في مؤتمر الصحة الفكرية
المؤتمر الدولي الرابع للتدريب المقام في مدينة الاسكندرية بمركز المؤتمرات الخميس الموافق 11 اكتوبر 2018م.

                             
                                 د. منى كامل تركي مستشارة البحث العلمي

11 أكتوبر 2018



قال تعالى
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))


                                                                                    صدق الله العظيم
سورة البقرة الآية رقم  143

إن الأمن بشكل عام يعني السكينة والاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي، واختفاء مشاعر الخوف من النفس البشرية فهناك أنواع عديدة للأمن منها الأمن النفسي والأمن الثقافي والفكري والأمن الاقتصادي والأمن المائي والأمن الوطني والأمن الوقائي، والأمن الغذائي وغيرها من أنواع الأمن الأخرى، والأمن الفكري يعني السكينة والاستقرار والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية فالأمن الفكري في صيانة عقول أفراد المجتمع ضد أية انحرافات فكرية أو عقدية مخالفة لما تنص عليه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف أو أنظمة المجتمع وتقاليده
وفي هذا المؤتمر اليوم نركز على المؤسسات التربوية والتعليمية كأول الجهات المعنية بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المجتمعات، لأن استثمار عقول الشباب واجب يشترك فيه جميع الأفراد والمؤسسات والهيئات في المجتمع وأستطيع القول بأن الأمن هو مسؤولية الجميع، ولكنه في حق المؤسسات التعليمية أهم ؛ لأن هذه المؤسسات تجمع كل فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم بدايةً من السن المبكرة التي تتمثل في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ، وفيها يستطيع المعلم والمربي أن يشكل الطالب بالكيفية التي يريدها ، فإذا لقي الطالب مَن يوجهه التوجيه السليم نشأ نشأة طيبة يجني ثمارها المجتمع الذي يعيش فيه ، وان كان الحاصل غير ذلك فالعكس هو النتيجة الحتمية ، خاصة أن الذين يقومون على هذه المؤسسات هم خلاصة مفكِّري الأمة وفيهم يجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة لإدراك الشعور بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم، وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم الطلاب في جميع تصرفاتهم وأعمالهم وأقوالهم
ويجب أن تبدأ معالجة الانحرافات الفكرية بمعالجة الأسباب والعوامل المؤدية لها والوقاية منها فللمدرسة أهم الأدوار في تنشئة شخصية الطالب من خلال استكمال دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى بتطويع سلوكه وتوجيهه واكسابه القيم والمفاهيم الصحيحة وهذا سوف يحصن الفرد ضد المؤثرات الفكرية السلبية مهما كان مصدرها أما دور المعلم فهو يتحمل الجزء الأكبر في تعزيز الأمن الفكري، فهو القدوة والمربي، والموجه والمحرك لفئة الشباب داخل الحرم المدرسي وخارجه، وكلمته مسموعة عندهم، بل يقلدونه في كثير من مناحي حياتهم، وسلوكهم ويعتبرونه المثل الأعلى لهم، لذا فإن مسؤولياته كبيرة، وتوجيهاته ضرورية في الاهتمام بالتربية الاجتماعية والنفسية، والاهتمام بتعليم القيم والمعايير السلوكية السليمة ومن هذا المنطلق وجب علينا الوقوف حول هذا الموضوع لمحاولة وضع رؤية حقيقية عن منهج علمي لدور التعليم في تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب والذي يعد الدرع الحصين للأمن الوطني بصفة عامة، وذلك من خلال محاور المؤتمر والمتمثلة في
1.    التفكير السلبي واثرة في عملية التدريب
2.    نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة
3.    دور الاسرة لتعميق الفكر الايجابي  
4.    دور المدرسة لنبذ التفكير السلبي
5.    المرشد التربوي المفكر بين الحقيقة والخيال
6.    ما هي الصحة الفكرية وكيف نمارسها
7.    الاعلام وأثره في توجيه فكر الشباب.
بهدف الوصول إلى رسم صورة للمفكر العربي في الهيكل الدولي للتدريب والقاء الضوء على اسرار التدريب الاحترافي والفكري وطرق الاقناع والتأثير والتعرف على اسرار التدريب الاحترافي قديماً وحديثاً وتقييم التدريب وجودته، بالإضافة إلى نتائج وتوصيات تحقق هذا الأمن وتكريم اهم الشخصيات التدريبية العربية المفكرة المؤثرة في العالم العربي والدولي،،،،،،،،،، وفقنا الله وإياكم لتحقيق أهدافنا في تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب والذي يعد الدرع الحصين للأمن الوطني بصفة عامة،،،،،
                                                      د. منى كامل تركي

تمهيد: الأمن الفكري يعني الحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة، او الأجنبية المشبوهة وهو بهذا يعني حماية وصيانة الهوية الثقافية من الاختراق او الاحتواء من الخارج، وهو اطمئنان الناس على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية، وتحتل قضية الأمن الفكري مكانه مهمة وعظيمة في أولويات كافة المجتمعات العربية مما يتطلب أن تتكاتف وتتآزر جهود أجهزة الدولة الحكومية والمجتمعية لتحقيق مفهوم الأمن الفكري تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة، وبذلك تكون الحاجة إلى تحقيق الأمن الفكري هي حاجة ماسة لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي فالفكر البشرى ركيزة هامة وأساسية في حياة الشعوب على مر العصور ومقياساً لتقدم الأمم وحضارتها
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى الأمن الفكري وأهميته التي تعود إلى أن تحقيق الأمن الفكري يعد حماية للثوابت، فهو ينبع من ارتباطه بسلامة العقيدة، واستقامة السلوك، وإثبات الولاء والانتماء ، حيث يؤدي بذلك إلى وحدة التلاحم والترابط في المجتمع، لكون الاهتمام به يعمل على الوقاية من الجرائم فتنخفض معدلاتها، وبالتالي يقل الإنفاق المخصص لمواجهة تِلك الجرائم، ومن ثم تسخير الميزانيات في إقامة المشاريع بما ينفع المجتمع اقتصاديًا ومعيشيًا بالتقدم والازدهار، فاختلال الفكر وانحرافه يؤدي إلى اختلال الأمن بمختلف جوانبه، الذي يؤدي بدوره إلى السلوك المنحرف وشيوع الجريمة
وسعت الورقة إلى تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب والذي يعد الدرع الحصين للأمن الوطني بصفة عامة وذلك للحد من هذه المشكلة فإن الدور الأكبر هنا يقع على عاتق التربية والتعليم، فهي أحد الأسباب المهمة التي تعزز الأمن الفكري في نفوس الناشئة للوقاية من هذا الانحراف والتطرف
 

المبحث الأول
مفهوم الأمن الفكري دور السياسة التعليمية في تعزيزه
إن كلمة الأمن في اللغة جاءت على المعنى الذي يريده الشارع الحكيم؛ فهي تدل على الاطمئنان والثقة والسلامة، وهي ثمرة من ثمار ترك الشرك والظلم، وهي منة امتن الله بها علينا بقوله تعالى﴿ لْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ ([1]) أي الأمن النفسي والأمن الغذائي.
كما حرص الإسلام على تربية المسلمين على العزة وإرادة الخير للمجتمع عامة كما في قوله ﴿ وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ ([2])   فالأمن عنصر ضروري لتوفير بيئة مناسبة للعيش والبناء، وبمقدار توافر هذا العنصر يستطيع الأفراد ممارسة حياتهم وحفظ حقوقهم وأداء واجباتهم وتحقيق أهدافهم وطموحاتهم، وتتمكن الدولة من الارتقاء بنفسها في مختلف الجوانب والمجالات وعلى كل الصعد داخلياً وخارجياً، وبمقدار اختلال هذا العنصر يأتي النقص، وتنتشر الآفات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها لقوله تعالى ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ([3])   
فمفهوم الأمن بشكل عام يعني السكينة والاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي، واختفاء مشاعر الخوف من النفس البشرية  ويشمل الأنواع منها الأمن النفسي، والأمن الثقافي والفكري، والأمن الاقتصادي، والأمن المائي، والأمن الوطني، والأمن الوقائي، والأمن الغذائي، فالأمن الفكري يهدف إلى الحفاظ على هوية الفرد إذ إن في حياة كل مجتمع ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها وتعد الرباط الذي يربط بين أفراده وتحدد سلوك أفراده وتكيف ردود أفعالهم تجاه الأحداث وتجعل للمجتمع استقلاله وتميزه وتضمن بقاؤه في الأمم الأخرى، وهو يهدف إلى حماية العقول من الغزو الفكري، والانحراف الثقافي، والتطرف الديني، بل يتعدى الأمن الفكري ذلك ليكون من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الوطني .
وإن من أهم صور الأمن التي يجدر العناية بها الأمن الفكري، والذي يُعنى بسلامة عقول وأفكار أفراد المجتمع، فسلامة العقل والفكر من أهم مرتكزات الأمن بجميع أنواعه، ومن مظاهر هذا الاهتمام العناية البالغة التي أولتها الشريعة الإسلامية بالضرورات الخمس الكبرى وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، إذْ وجَّهت العقول والأفكار لصيانة هذه الأصول الكبرى، وحرَّمت الاعتداء على شيء منها، واعتبرتها خطوطاً حمراء لا ينبغي التعدي عليها، فتعزيز ثقافة احترام وصيانة هذه الضرورات لدى الأفراد من ركائز الأمن الفكري ([4])
أولًا: مفهوم الأمن الفكري: إن مفهوم الأمن الفكري حديث نسبيًا إلا أنه في مضمونه قديم قدم المجتمع الإنساني، وهو سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية والسياسية وتصوره للكون بما يؤول إلى الغلو والإلحاد والعلمنة الشاملة، ويعرفه آخرون بأنه تأمين أفكار وعقول أفراد المجتمع من الأفكار الخاطئة التي تشكل خطرا على قيم المجتمع وأمنه بوسائل وبرامج وخطط متعددة شاملة لجميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية([5])
فمهما تعددت التعاريف إلا أنها تدور حول هدف واحد وهي تأمين العقل البشري ضد أي نوع من أنواع الانحراف، فمفهوم الأمن الفكري مرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود قيم ومثل عليا وأعراف اجتماعية وثوابت تحكم ذلك العقل الذي كرم به الله الإنسان وأعلى من شأنه، ولا يعني ذلك عدم المحاكاة للآخر والاستفادة منه، فالمعيار هو الاعتدال وتقبل الرأي والحوار بما ينسجم مع معتقدات وقيم المجتمع فوجود المؤثرات الفكرية والعقدية المنحرفة التي تشكل خطراً على نظام الدولة وأمنها وعلى أمن وسلامة الأفراد يستوجب ترسيخ ثقافة الأمن الفكري الجمعي، والذي يعنى بتعزيز الثقافة المجتمعية الواعية المتسلحة بقيم الأمن والاستقرار، لتصبح هذه القيم ثقافة مجتمع بكامله وليس مجرد ثقافة أفراد، فالوعي الجمعي الواعي صمام أمان لهذه المؤثرات الفكرية والتي من أخطرها غسيل الدماغ، وهو تعبير يطلق على العمليات الممنهجة التي تتلاعب بعقول الأفراد بهدف تغيير أنماط سلوكهم ومعاييرهم وإعادة تشكيل اتجاهاتهم والتي تصدر من أشخاص أو جهات لها أهداف معينة ولمواجهة مثل هذا الاستهداف الشامل الذي قد يصدر من أي جهة كانت  ([6])
بالإضافة إلى دور الأسرة في ترسيخ الأمن الفكري الفردي والجمعي، فمنشأ الفرد في الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع، وإن تصدع الأسرة وسوء التربية أو إهمالها من العوامل المساعدة على الانحراف الفكري، وكثير ممن وقعوا في براثن السلوكيات العدوانية والأفكار العدائية جاؤوا من خلفيات أسرية مفككة ولذلك فإن دور الآباء والأمهات كبير في تزويد المجتمع بأفراد واعين ناضجين غيورين على أمن واستقرار وطنهم عبر الإدارة الناجحة للأسرة وذلك من خلال توفير البيئة الأسرية الآمنة، وتكوين شخصيات الأبناء على أساس من العقيدة الوسطية والثقافة المعتدلة والاتزان الفكري والعاطفي والنفسي، وتعويدهم على ضبط ردود الأفعال تجاه المثيرات المختلفة، وخاصة في لحظات الغضب والانفعال، فالغضب ذو ارتباط وثيق بالسلوك العدواني، وتعليمهم التسامح والعفو وتعويدهم على ذلك حتى لا يصبح الغضب والانتقام سمة لديهم، فيقعون فريسة للفكر العدواني ومن ذلك متابعتهم لما قد يطرأ عليهم من مظاهر الانحراف الفكري كالتكفير وغيره، وحسن معالجتها، وتزويدهم بالمعايير الصحيحة في اختيار الرفقة الصالحة، فمجموعة الرفقة ذات أثر كبير في تنشئة الأولاد اجتماعياً وفكرياً في خارج نطاق العائلة. ([7])
وما يعزز الأمن الفكري في الدول تحصين مؤسساتها فكرياً، كالمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية وغيرها، وذلك من خلال سلامة أفكار كوادرها وسلامة الأنشطة التي تقوم بها في المجتمع، وما يعزز الأمن الفكري كذلك الإجراءات الرادعة التي تتخذها الدول في التصدي للمتطرفين وتجفيف منابع الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار في المجتمعات ([8])
ثانياً: دور السياسة التعليمية في تعزيز الأمن الفكري: تضطلع المؤسسات التربوية بدور جليل في تحقيق غايات المجتمع وتطلعاته، حیث تشكل وسیلة هامة، وركيزة عظيمة في تكوین شخصيات الطلاب وتشكيل عقولهم وإكسابهم قیم المجتمع ومبادئه وأخلاقه، لكي ینمو شخصية متوازنة منتمية لدينها ووطنها، مبدعة في إنتاجها، متفانية في عملها، قادرة على مواجهة التحديات ومواكبة التطورات والمستجدات، ولتشكل هذه الشخصية لبنة في البناء الحضاري الذي ینشده المجتمع لنفسه ولأفراده، وإذا كانت الإدارة الصحيحة والفاعلة هي سبب نجاح الدول والمؤسسات في تحقيق أهدافها، فإن إدارة عملية التربية أو الإدارة التربوية السليمة والفاعلة على مختلف مستوياتها لها أهمية مضاعفة، فإن كثيرا من الدول حققت نجاحها باعتمادها على الإدارة التربوية والتعليمة الفاعلة والقائمة على أسس سليمة في تحقيق نهضتها المنشودة ([9])
فتعد مسئولية الحفاظ على الأمن الفكري مسئولية مشتركة بین كافة مؤسسات المجتمع، وأفراده، وفئاته، وتتفاوت هذه المسئولية بحسب أهمية هذه المؤسسة، وقدرتها على التأثير في المجتمع ، وتعتبر المؤسسات التربوية أكثر مؤسسات المجتمع تحملا لمسئولية الحفاظ على ثقافة المجتمع، وتنشئة الطلاب وضبط سلوكهم، وتربيتهم على القیم والمثل العليا، واحترام تقاليد المجتمع وعاداته، وغرس روح الانتماء والولاء للدين والوطن والمجتمع  فإن للمدرسة دورا فاعلا في إرساء دعائم الأمن، ویجمع هذا الدور عددا من الوظائف التي تبدأ بالتوعية والوقاية، وتنتهي بالتقويم والمعالجة، خاصة في المرحلة الثانوية التي تتميز بأن الطلبة یكونون فیها في أوج نشاطهم وحیویتهم، وهم الفئة الأكثر تأثرا بالتغيرات الفكرية والتطورات من حولهم،  ولا یمكن أن یتحقق الأمن في المجتمع إلا بالاستفادة القصوى من وسائل التعليم ومزاياه وتأثيره على المجتمع، وذلك من خلال إسهام المؤسسات التعليمية في إرساء القیم الروحية والأخلاقية والفكر الإسلامي الصحيح وما یتضمنه من مواعظ تربوية ومن تسامح واعتدال ([10]) فالأمن التربوي هو تعبير عن قدرة الأمة من خلال نظامها التربوي على حمایة الكیان الذاتي والشخصية المتميزة بالقیم العريقة الصحيحة المادية والمعنوية، من خلال منظومة من الوسائل التربوية والثقافية، وتوفير المناخ الفكري والاجتماعي السليم تشريعا وتنظیما وممارسة، مما یسهم في بناء الإنسان القادر على الإبداع والتطلع لمستقبل أفضل، والإدارة المدرسية هي الأبرز الأدوار في تحقيق نجاح النظام التربوي في المجتمع، حیث تشكل المدرسة الميدان الحقيقي الذي تتم فیه عملية تربية الناشئة، حیث یناط بالمدرسة مسئوليات عظيمة من إكساب الطالب المعارف والمهارات والقیم والمبادئ في جو من الأمن والاستقرار یسمح للطالب بالنمو المتكامل والمتوازن، وفي جو من التحفيز والتشويق یسمح له بإطلاق إبداعاته واستثمار طاقاته ومواهبه. ([11])
والمؤسسات التربوية والتعليمية هي أول الجهات المعنية بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المجتمعات، وذلك لأن استثمار عقول الشباب واجب يشترك فيه جميع الأفراد والمؤسسات والهيئات في المجتمع فمهمة المؤسسات التعليمية لا تقتصر على تعليم القراءة والكتابة واعطاء مفاتيح العلوم للطلاب دون العمل على تعليمهم ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية، وترجمة هذه العلوم إلى سلوك وواقع ملموس ، فالأمن هو مسؤولية الجميع، ولكنه يمثل الأهمية القصوى في  المؤسسات التعليمية لأنها تجمع كل فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم بدايةً من السن المبكرة التي تتمثل في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وفيها يستطيع المعلم والمربي أن يشكل الطالب بالكيفية التي يريدها، فإذا لقي الطالب مَن يوجهه التوجيه السليم نشأ نشأة طيبة يجني ثمارها المجتمع الذي يعيش فيه، خاصة أن الذين يقومون على هذه المؤسسات هم خلاصة مفكِّري الأمة، ويجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة لإدراك الشعور بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم، وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم الطلاب في جميع تصرفاتهم وأعمالهم وأقوالهم ويجب أن تبدأ معالجة الانحرافات الفكرية بمعالجة الأسباب والعوامل المؤدية لها والوقاية منها ([12])
وقد تطور دور الإدارة المدرسية تمشیا مع طبيعة العصر ومستجداته ومتطلباته، فلم یعد هدف مدیر المدرسة مجرد الحفاظ على النظام، وتسییر شئون المدرسة تسییرا روتينيا وفق الجدول الموضوع، وحصر حضور الطلبة وتغيبهم، بل أصبح العمل في الإدارة المدرسية یدور حول الطالب، وتوفير كل الظروف والإمكانات التي تساعد على توجیه نموه العقلي والبدني والروحي، وكذلك تحسین العملية التربوية لتحقيق الأهداف الاجتماعية التي هي الأساس بالنسبة للإدارة المدرسية ([13]) كما إن مدیر المدرسة الناجح یعني مجتمعا ناجحا، حیث یعتبر المسئول الأول عن إدارة العملية التربوية في المدرسة وقيادتها نحو تحقيق أهداف المنظومة التعليمة التي یتصدرها تحقيق شخصية سویة تتسم بالتوازن العقلي، العاطفي، الاجتماعي، النفسي، الروحي، والتي بدورها تحقق لمجتمعها الأمن والاطمئنان الذي یرقى المجتمع بظله ویتقدم
فالأمن الفكري ذو صلة عميقة بهویة المجتمع وشخصيته الحضارية، فإذا اطمأن الناس على ما عندهم من أصول وثوابت، وأمنوا على ما لديهم من مثل ومبادئ فقد تحقق لهم الأمن في أسمى صوره ومعانيه، وإذا تلوثت أفكارهم بمبادئ وافدة، ومناهج دخیلة، وأفكار منحرفة، وثقافات مستوردة، ظهر الانحراف الفكري، فمسئولية الإدارة المدرسية لا تقتصر على الحدود الداخلية للمدرسة، إذ تمتد مسئوليتها ووظائفها إلى خارج المدرسة، لتتفاعل مع قضايا البيئة المحلیة والأحداث الجارية والتطورات في المجتمع، وقد جاء التغير في وظيفة الإدارة المدرسية نتيجة لتطور الفكر التربوي وتطور نظرته إلى الإدارة المدرسية حيث يقع على المدرسة الدور الأكبر في تنشئة شخصية الطالب بعد استكمال دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى بتطويع سلوكه وتوجيهه واكسابه القيم والمفاهيم الصحيحة وهو يحصن الفرد ضد الموروثات الفكرية السلبية مهما كان مصدرها أما دور المعلم فهو عظيم ومهم، وتحمل الجزء الأكبر في تعزيز الأمن الفكري، فهو القدوة والمربي، والموجه والمحرك لفئة الشباب داخل الحرم المدرسي وخارجه، وكلمته مسموعة عندهم، لاعتباره المثل الأعلى للطلاب داخل الحرم المدرسي([14]) مما يبرز دور كل مرحلة من مراحل التعليم في تحقيق الأمن الفكري كما يلي:
(1) المرحلة الابتدائية: تتميز مرحلة الطفولة بسهولة تشكيل عقل الطفل وفكره، ویتم فیها غرس محبة الله ورسوله، ومحبة الدین والوطن، والتأكيد على طاعة الوالدين، وتعليمهم حسن الخلق والآداب ولطف المعاملة
(2) المرحلة الإعدادية: وهي أخطر مرحلة وأكثرها أهمية، فهي مرحلة أعداد وتهيئة الأفكار، وینتظر من المدرسة أن تعمل على تهيئة الطالب لتحمل المسئولية، والتعامل مع المجتمع، والخوض في غماره، وتنمية التفكير السليم للطالب وإرشاده لسبل الوصول إليه بطرق صحيحة
(3) المرحلة الثانوية: وهي مرحلة بدایة ترجمة تعلم الطالب من معلومات نظرية إلى سلوك، وبدایة تحمل مسئوليات متواضعة فلا بد للمعلم من مراعاة عدة أمور حث الطالب على فعل الواجبات وترك المنهیات لأنه مكلف، وتوجیه الطالب وتدريبه على تحمل المسئوليات التي تشعره بقيمته وذاته، وأن یتعامل المعلم مع الطلبة تعامل الرجال؛ فالنفس تحب من یقدرها، والبعد عن المسائل الفقهية الخلافية، وتعزيز العادات الحسنة والسلوك القویم.
(4) المرحلة الجامعية: تحتاج هذه المرحلة إلى المراقبة والتقويم، وتصويب السلوك، فإذا لوحظ أي سلوك منحرف لدى الطالب، فلا بد من تذكيره بالمبادئ الإسلامية، وتوجيهه توجیها سليما، وتعليم الطلبة كیفیة الحوار مع الآخرين، وحل المشكلات بأساليب صحيحة، وتوجيهه لتوسيع أفق نظرته لمجالات الحیاة ([15])
وبالنظر إلى المرحلة العمرية للطلبة الملتحقين بالدراسة الجامعية فأنها بدایة بلوغ الطالب لسن الرشد، أي عندما یبدأ تكوينه النفسي والفسيولوجي یجعله یشعر بأنه إنسان مكتمل الأهلية مكتمل الأهلية والرشد للتصرف بصورة مستقلة عما یملیه علیه الآخرون إن هذا یجعل الطالب یتصرف بالاعتماد على نفسه في مختلف المواقف الحياتية التي تواجهه، ویحاول أن یحل معضلاتها من خلال وضع الحلول التي یراها مناسبة لهذا الغرض، وبالتالي فإن السلوك أو التصرف الذي یقوم به الطالب ینبغي أن یكون تصرفا صحيحا وناضجا، ومبنیا على دراسة وتفهم عميق لكافة أولويات ومعطيات الموقف حتى ینسجم السلوك مع الموقف المعني ویكون صحيحا ويؤدي بالفائدة التي تعود على الطالب وعلى المجتمع وعليه تكون إسهامات الجامعة في تحقيق الأمن الفكري فیما یلي :
1.    قیام المؤسسات الجامعية بمواصلة عملية التنشئة الاجتماعية، من أجل تكوین شخصية الطالب، وضمان إلمامه بما حوله
2.    تعريف الطالب بوظائفه الاجتماعية، وضمان إلمامه بها، فالجامعة مجتمع مصغر یهیئ للمجتمع الكبیر، فالتعليم وظيفة إنسانية اجتماعية قبل أن تكون معلوماتية
3.    توسيع دائرة نطاق التعامل والعلاقات الإنسانة، والتفاعل مع الفئات المجتمعية المحیطة على اختلافها
4.    ربط الطلبة بالثقافة السائدة في مجتمعهم، وتعريفهم بتراث مجتمعهم مع بث روح التجديد والإبداع والتألق، تجاوبا مع المستجدات والمتغيرات الحضارية فیما لا یخالف الأسس والثوابت الإسلامية
5.    ربط الأنشطة التربوية والتعليمية بالجهود المجتمعية، من أجل إيجاد جيل متوازن وسوي، محاط بسياج من القیم الدینیة والأخلاقية؛ مما یؤدي إلى اتساقه مع المحیط الذي یعیش فیه، ویجعله عنصرا مشاركا وعضوا فعالا

ثالثًا: مظاهر الانحراف الفكري لدى الطلاب: تتعدد مظاهر وأشكال الانحراف الفكري، وقد تبدو بعض هذه المظاهر واضحة جلیة، وقد یكون بعضها خفیا كامنا، وقد یستفحل خطره ولا تظهر صورته إلا في مظاهر تخريب أو إفساد، فيحتاج علاجه إلى جهود عظيمة، لذا كان لابد لكل مخلص لهذه الأمة أن یتنبه لهذه المظاهر؛ للعمل على حصارها فلا تستشري بین المواطنين، ومن أهم تلك المظاهر
تشویه الحقائق: یتسم الفكر المنحرف بقدرته على قلب المفاهيم وتشویه الحقائق وطمسها، وتقديم أدلة وبراهين غیر كافیة أو مناقضة للواقع، واستعمال الكلمات بمعان مبهمة غیر محددة أو بمعان متقلبة ومختلفة، وتشویه الحقائق لدى الفكر المنحرف تكمن في الرفض القاطع للأدلة والحقائق عن طریق التحريف والتشويه والتسفيه والقدرة على خلق الأكاذيب، إضافة إلى تكذيب الآخرين وعدم الثقة فیهم، والمیل إلى التحريض والتآمر علیهم عن طریق إخفاء الحقائق والتشكيك فیها ([16])
السطحية : یعتمد أصحاب الفكر المنحرف على التلقین والاستظهار والطاعة العمیاء، وینتمون إلى التفكير السطحي غیر العقلاني، الذي لا یحتاج إلى جهد عقلي، أو منطقي أو ذهني، ولا یقوم على منهجية علمية أو دراسات علمية حقلیة أو مجردة لإثبات أو نفي، أو قبول أو رفض ظواهر اجتماعية أو فكرية سائدة؛ لأن هدف الفكر المنحرف لیس الوصول إلى نتائج دقيقة وسليمة أو براهين علمية یمكن الاستفادة منها في الحكم على المواضيع والقضايا، أو الظواهر الاجتماعية أو الفكرية، بقدر ما یكون هدفها زرع البلبلة والتشكيك، وإسقاط ما هو قائم من فكر وأخلاق ومعتقدات، ونسق اجتماعي وسياسي، واستبدالها بتوجهات أخرى معروفة أو غیر معروفة ([17])
تبرير الغایات: إن الفكر الإسلامي الصحيح لا یعاني خلطا بین الغایات والوسائل، بل إن أهدافه واضحة محددة تتحقق من خلال وسائل مشروعة، وهو فكر سوي لا یعرف المخادعة، لكن الفكر المنحرف یركب أي وسیلة للوصول إلى غايته، فيتبنى المبدأ المیكافیللي الغایة تبرر الوسيلة
أحادية الرؤية : من مظاهر الانحراف الفكري الارتباط برؤية منغلقة إزاء القضایا والمشكلات سواء على المستوى الشخصي أو العام، حیث العجز عن استيعاب ما یدور في العالم من تحولات بالغة الحدة وكیفیة مواجهة هذا السیل المتدفق من تعددية في الفهم والاتجاهات والنماذج، وهو من أنواع الانغلاق الفكري، وما یتضمنه من نظرة إقصائية من حیث استبعادها للرأي الآخر، بمختلف الطرق والوسائل، بينما یتمیز الانفتاح الفكري بنظرة تعایشیة من حیث إيمانها بضرورة التعايش مع الآخر، إن استبعاد الآخر خاصیة أصيلة من خصائص الرؤية الأحادية أو المغلقة
الرفض: قد یكون الرفض المبني على مبررات غیر موضوعية أو منطقية للمواقف والأحداث دليل اعوجاج فكري عن الحق والمنهج السليم، الاشتراكية الرافضة لحقوق الفرد وملكيته نماذج حیة للفكر المنحرف المتسم بالرفض والمعارضة، وقد یرفض المرء الحكمة والرأي الصائب عندما یأتیان من مصدر غیر محبوب له، إلا أن رفض الحق مع وضوحه من مظاهر الانحراف الفكري خاصة إذا كان مدفوعا بعوامل الكبر والاستعلاء والاعتزاز بالإثم والخوف من الظهور بمظهر المخطئ ([18])
 
المبحث الثاني
المؤسسات المجتمعية وتعزيز الأمن الفكري
أولاً: دور مؤسسات المجتمع في تحقيق الأمن الفكري حيث یعتبر تحقيق الأمن الفكري غایة یسعى المجتمع لبلوغها، ومسئولية مشتركة ینبغي أن تتضافر جهود مؤسسات المجتمع لتحقيقها، وفیما یلي عرض لأدوار أبرز مؤسسات المجتمع لتحقيق الأمن الفكري وهي
(1) دور الأسرة: تعتبر الأسرة المؤسسة المركزية في المجتمع، والنواة الأولى في البناء الاجتماعي، وذات التأثير الأول على شخصية الفرد والمسئول المباشر عن اتجاهات وسلوكيات أبنائها، فدور الأسرة دور حیوي في تحصین ووقاية الجیل من الانحراف والغلو، وقد أكد رسول الله صلى الله علیه وسلم هذا الدور بقوله (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعیته، الرجل راع ومسئول عن رعیته، والمرأة راعیة في بیت زوجها ومسئولة عن رعیتها ([19])، فالأسرة هي التربة التي ینبغي أن تنبت أبناءها نباتا حسنا وتغذيهم غذاء روحیا وعقلیا وجسمیا صالحا
لذا تهتم الدول بدعم الأسرة وتحسین ظروفها، وتقدم لها الدعم اللازم لكفالة التربية السليمة للنشء والشباب، حیث یتعلم هؤلاء النشء الأدوار الاجتماعية واللغة والتقاليد والسلوكيات؛ لتكون مخزونا ثقافیا كبیراً من المعاییر والسلوكيات القیمة التي تشكل إطاراً مرجعیا للسلوك والعادات مستقبلا، وذلك یعني أنه مهما تعددت المؤسسات الاجتماعية التي یمكن أن تقوم بوظائف الأسرة، فإن هذه المؤسسات لا تعتبر بدیلا للأسرة، بل مكملة لعملها التربوي، وإن التفكك الأسري وتقصير الأسرة في تربية الأبناء قد یؤدي إلى وقوعهم في العزلة والانطواء، أو التطرف والعنف، أو الانحراف والتحلل، فيكونون فريسة سهلة للوقوع في براثن التیارات الفكرية المنحرفة التي تتصید الشباب الحائر وتستغل ظروفهم الأسرية  ([20]) ویمكن تحديد دور الأسرة في تحقيق الأمن الفكري فیما یلي :
1.    الإلمام بأساليب التنشئة الأسرية الحديثة، خاصة أن أساليب التنشئة الأسرية السویة لها أثرها الواضح الذي ینعكس إيجابا على الصحة النفسية والعقلية والبدنية للنشء والشباب، والعكس صحیح فإن التنشئة غیر السویة قد تؤدي بهم إلى الاضطرابات النفسية والشخصية، وتدفعهم إلى الانحرافات السلوكية والفكرية وغيرها من صور الانحراف الأخرى
2.    تجنيب الأبناء، قدر المستطاع، وسائل الغزو الفكري، وتقديم البديل النافع لهم من الوسائل المسموعة أو المرئية أو مكتوبة من وسائل ملائمة  
3.    إبعاد الأبناء عن رفاق السوء، فلا یمكن أن تكتمل تربية الأسرة إذا كان لأولادهم رفاق سوء یهدمون ما بناه الوالدان، فكثيرا ما یدفع رفاق السوء رفاقهم نحو الرذيلة، ویزینون لهم السوء فیقترفون الجرائم وتعاطي المخدرات ويسقطون في هاوية الانحراف الفكري
4.    أن یكون الوالدان قدوة مثالية في التعامل، وفي تهيئة ببيئة أسرية آمنة قوامها الحوار والاحترام المتبادل  ([21])
(2) دور المسجد: إن المسجد في الإسلام لیس مجرد بناء تؤدى فیه الصلاة، وإنما هو محضن هام لتربية المجتمع وبناء العقيدة وتكوين الفكر، وتنظيم الحیاة وفق هدي القرآن والسنة، لذا فدرجة تأثير المسجد في الفكر درجة عالية نظرا لما یتمیز به المسجد من قداسة ومكانة  وتبرز أهمية المسجد باعتباره مؤسسة أولية اجتماعية، من الدور الحيوي الذي تقوم به في إكمال دور الأسرة في عملية التنشئة المبنية على قیم الإسلام وتعاليمه، وإن تردد الأفراد على المسجد خمس مرات في الیوم والليلة یقوم كرابط اجتماعي بین أفراد الحي الواحد وتآلفهم، إضافة إلى الدور التعليمي التثقيفي الذي یؤدیه المسجد من خلال الندوات والمحاضرات وحلقات الذكر وتحفيظ القرآن، وما تحویه مكتبته من كتب قیمة مخصصة للقراءة وشغل أوقات الفراغ ([22])
(3) دور الإعلام: یضطلع الإعلام بمسئولية كبیرة نحو تحقيق الأمن الفكري، حیث یخاطب كافة شرائح المجتمع، ویدخل كل بیت، ویتاح لكل الفئات، فالعمل الإعلامي یقود الشعوب ویشكل العقول والاتجاهات؛ لما له من سحر في النفوس وتأثير على العقول بما تشمله من فضائيات وصحف ومجلات ومطبوعات ومواقع إلكترونية قادرة على إحداث حراك اجتماعي وسياسي في المجتمعات المعاصرة، فوسائل الإعلام تعد من أهم الوسائل التربوية لكونها أداة شیقة وهامة من أدوات التربية المستديمة، حیث تمكن أبناء المجتمع من التعرف على العديد من المعارف والثقافات والأماكن التي یصعب الوصول إليها، إضافة إلى تكوينها للرأي العام والتأثير علیه، ولذا ینبغي أن یتنبه القائمون على وسائل الإعلام إلى الانطلاق من أسس أخلاقية وإسلامية، ومن أبرزها أن تنبع جميع أهداف الإعلام من تعاليم الدین الإسلامي، وأن تعمل على المحافظة على الروح الأخلاقية العربية الأصيلة من خلال التثقيف الشامل لجميع مجالات الحیاة، والعمل على الإرشاد والتوجيه للنشء والشباب لحمايتهم من الإعلام الخارجي والتأكيد على روح الإخاء بین الشعوب العربية وترسيخ روح الانتماء الوطني لأبناء المجتمع  ([23])
ثانياً: ضرورة الأمن الفكري: أن الأمن الفكري حاجة ضرورية وذلك لعدة أسباب منها أن الأمن الفكري أحد مكونات الأمن بصفة عامة، بل هو أهمها وأسماها وأساس وجودها واستمرارها، والأمن هو النعمة التي لا يمكن أن تستقيم الحياة بغيرها، وبالنظر إلى أن الأمن الفكري هو أسمى أنواع الأمن لما يلي:
1.    توجيه النظر إلى العناية بالفكر بتوفير كل أسباب حمايته واستقامته والمحافظة عليه، وكذلك العمل على رصد ودراسة كل ما من شأنه التأثير على سلامة الفكر واستقامته.
2.    العمل على معالجة أسباب اختلال الأمن في المجتمع بشكل متكامل ومترابط من غير فصل بين أنواع الأمن، لإن النظرة الشاملة تجعل المعالجة شاملة ومتكاملة، وهو ما يوفر على الجهات المختصة بأمن المجتمع الجهود، ويوصل إلى النتائج المثمرة، والغايات المحمودة في أسرع وقت([24])
3.    فالأمن الفكري يتعلق بالمحافظة على الدين، الذي هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية بحمايتها والمحافظة عليها، فإن الإسلام هو دين الأمة (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ([25]) لقوله تعالى (واللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ([26])والإسلام هو مصدر الثقافة ومستند علومها ومعارفها، وهو أساس علوها وتميزها، لذلك كان في الأمن الفكري الحماية لهذه الأسس والمرتكزات، والإخلال به إخلال بها، وهو ما يجعل المجتمع عرضة للزوال، والتأثر بأديان الأمم الأخرى وثقافاتها وأفكارها، وبذلك تفقد سر تميزها، وأساس وجودها وعظمتها.
4.    إن الأمن الفكري يتعلق بالعقل، والعقل هو آلة الفكر، وأداة التأمل والتفكر، الذي هو أساس استخراج المعارف، وطريق بناء الحضارات، وتحقيق الاستخلاف في الأرض، ولذلك كانت المحافظة على العقل، وحمايته لا تتحقق إلا بالمحافظة عليه من المؤثرات الحسية والمعنوية.
5.    أن الأمن الفكري غايته الاستقامة والسلامة من الانحراف، فأن الإخلال بالأمن الفكري يؤدي إلى تفرق المجتمع شيعًا وأحزابًا، وتتنافر قلوب أبنائها، ويتشتت شملها، واختلاف كلمتها
ثالثًا: المعوقات التي تواجه التعليم في تحقيق الأمن الفكري: قد تقف المدارس خلف أسباب الانحراف والفشل الاجتماعي لكونها لا تقوم بدورها على الوجه المطلوب، وهناك مقولة شهيرة يذكر فيها (أن الطبيب يمكن أن يقتل مريضًا واحدًا بينما يستطيع المعلم أن يقتل شعبًا بأسره). ولعل أبرز هذه المعوقات عند كثير من الباحثين والمختصين هي كالتالي:
1.    ضعف مراحل التعليم العام في توظيف تقنية المعلومات والتكنولوجيا الحديثة لتحسين التعليم ومواكبته للتطور
2.    ضعف الشراكة والتعاون بين التعليم ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية
3.    ضعف الاهتمام بالمعلم وتحفيزه، وتدني مستوى تأهيله وخاصة معلم المواد الشرعية، كما أن بعض المعلمين يعملون في غير تخصصاتهم
4.    تدني مستوى المباني والتجهيزات المدرسية لعدم توفير البيئة التعليمية الملائمة مما ينعكس ذلك سلبًا على المتعلم ([27])
5.    ضعف الثقافة الأمنية في المناهج التعليمية، ووجود بعض السلبيات في بعض المقررات الدراسية، وعدم الاهتمام بها من قبل المختصين وتطويرها
6.    اتباع نمط نظام البيروقراطية والمركزية الإدارية.
7.    التقليل من تفعيل المشاريع التي تهتم برعاية شؤون الطلاب فكريًا وأخلاقيًا.
8.    عدم التجاوب من أولياء الأمور مع المدرسة.
9.    ضعف الاهتمام بالبحث العلمي.
10.  الهدر التربوي الذي تواجهه العملية التعليمية كالتسرب، والرسوب، وانخفاض نسب التفوق لدى الطلاب. وللحد من هذه المعوقات يتطلب ذلك وضع تصورات استراتيجية جادة لتستطيع من خلاله وزارة التربية والتعليم ان توظف جهودها لتواكب التحديات الفكرية المعاصرة ونشر الوعي الأمني للوقاية من الانحراف الفكري في المستقبل.

الخاتمة
يعد التعليم إحدى الوسائل المهمة التي يسعى إليها المجتمع لتحقيق الأمن الفكري، فلا يمكن لأي أمة أن تنهض فكريًا وحضاريًا مالم يكن لديها سياسة تعليمية واضحة مرنة مستمدة ومنسجمة مع ثقافة ومبادئ المجتمع قائمة على أسس علمية تكفل بناء شخصية الفرد وفق معتقدات وثقافة المجتمع وكذلك منهج التربية الوطنية الذي يمكن استغلاله في ترسيخ مبادئ المواطنة الصادقة والدفاع عنها من خلال تنمية الوعي الأمني لدى الطلاب، كما أن المناهج الأخرى أيضًا لا تخلو من مواضيع تنمي الوعي والأمن الفكر.
يتم اختيار القائمين على التربية والتعليم من ذوي الكفاءة العلمية والتربوية، وخاصة المعلم الذي يلعب دورًا محوريًا في العملية التعليمية، وذلك أنه أداة فاعلة في غرس المفاهيم والاتجاهات والقيم في نفوس الناشئة، وتفعيل دور المشرف الأخصائي النفسي لمساعدة النشء على تكوين شخصياتهم ومتابعة سلوكهم بالنصح والإرشاد، خاصة ما يتعلق بمشاكل الطلاب الفكرية والأمنية، ودعم ثقافة لغة الحوار مع الناشئة، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، واستغلاله في توعية الطلاب، ومعرفة توجهاتهم، وتزويد وإكساب الطلاب المعارف والمهارات الأخرى، وتنمية السلوكيات الإيجابية في نفوس الناشئة، فأن المؤسسات التعليمية بعناصرها المختلفة ودورها في تعزيز الأمن الفكري يكمل بعضها بعضًا، ولعل في مقدمة تلك العناصر وأهمها؛ الإدارة المدرسية الناجحة، المعلم المتميز، المرشد الفعّال، المشرف التربوي الخبير، القيادة الإدارية الحكيمة، المناهج المؤصلة والمتجددة، الأنشطة المدرسية الهادفة وذلك من خلال استكمال دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى أيضًا.
النتائج
إن وجود الأمن الفكري هو الاعتدال والوسطية والقدرة على وزن الأمور بموازين النقد والتحليل السليم التربية والتعليم أحد الأسباب المهمة التي تعزز الأمن الفكري في نفوس الناشئة من خلال عناصرها المختلفة الفعالة من خلال ما يلي:
1.    تفعيل دور المرشد الطلابي في تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب من خلال النصح والإرشاد.
2.    يتحمل المعلم الجزء الأكبر في تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب من خلال تنشئة الطلبة تنشئة إسلامية صحيحة، ومساعدتهم على استيعاب المفاهيم والأفكار البعيدة عن الأفكار المنحرفة والمتطرفة، وتمثل القدوة الحسنة فيهم، وكذلك ترسيخ مبدأ الحوار الهادف والاستماع واحترام الآخرين وصولاً إلى الحق، وتشجيع التعاون مع الأسرة.
3.    تلعب المناهج دورًا مهمًا وأساسيًا في تحقيق الأمن الفكري، التي تسعى لترسيخ المنهج الإسلامي المبني على الاستقامة والاعتدال والوسطية، وأن الطالب قد يتعرض للانحراف الفكري بسبب سوء مناخ البيئة التعليمية.
التوصيات 
1.    وضع برامج للكشف عن الطلبة الذين يحملون أفكارًا تتعارض مع الأمن الفكري من خلال حث الطلاب على الإبلاغ عن أي شخص يحمل الفكر المنحرف سواء للمعلم أو المرشد الطلابي، وإشراك مدير المدرسة في ذلك.
2.    استكمال ما تقوم به المؤسسات التربوية الأخرى بدءا بضرورة التكامل بین البیت والمدرسة
3.    ضرورة اهتمام المؤسسات التربوية والتعليمية بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني لطرح مثل هذه القضايا ووضع الخطط والبرامج للوقاية من الانحراف والتطور لدى الناشئة ومعالجتها.
4.    وضع معايير دقيقة عند تعيين المعلم، وكذلك حرص إدارة المدرسة على توجيهه لتعزيز الأمن الفكري لدى الطلبة
5.    تضمين المقررات الدراسية بعض الموضوعات ذات الصِّلة لتحقيق الأمن الفكري، والنظر إلى تطويرها تطويرًا مستمرًا لمكافحة شتى أشكال الانحراف الفكري.
6.    الاهتمام بالبحوث العلمية في دراسة أسباب هذه الظاهرة ووضع الحلول والسبل الوقائية للحد منها.
7.    عرض المشكلات التي تهم المجتمع، وطرح أساليب حلها، وإتاحة الفرصة للطلاب على التعرف على العالم من حولهم وما فیه من جديد


المراجع
الكتب
1.    أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: الاعتصام، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1982 م
2.    د. عبد الرحمن الزنيدي: حقيقة الفكر الإسلامي، الرياض، دار المسلم ط2، 2002 م
3.    عبد الحفيظ المالكي: نحو مجتمع آمن فكريًا، دور منهج العلوم الشرعية في تعزيز الأمن الفكري لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، ط1، 2010
4.    عبد الرحمن السديس: الأمن الفكري، ضمن كتاب الأمن الفكري، الرياض، جامعة نايف العربية، مركز الدراسات والبحوث، ط1، 2005  
5.    علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، بيروت، مكتبة لبنان 1985 م
6.    د. ناصر العقل: الاتجاهات العقلية الحديثة، الرياض، دار الفضيلة ط1 ،2001 366
7.    د. ناصر العقل: دراسات في الأهواء والفرق والبدع، الرياض، دار أشبيليا، ط1، 1997
8.    د. عبد الرحمن الزنيدي: حقيقة الفكر الإسلامي، الرياض، دار المسلم، ط2، 2002 م
رسائل الماجستير والدكتوراه
1.    جبير بن سليمان الحربي: دور منهج العلوم الشرعية في تعزيز الأمن الفكري لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، بحث تكميلي مقدم إلى قسم المناهج في كلية التربية بجامعة أم القرى لنيل درجة الدكتوراه، 1428 ه، – 2008 م
2.    حيدر بن عبد الرحمن الحيدر: الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية، أطروحة دكتوراه، مصر، اكاديمية الشرطة، الدراسات العليا، 2002
3.    عبدالحفيظ بن عبد الله المالكي: نحو بناء استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن الفكري في مواجهة الإرهاب، رسالة دكتوراه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2007 
المجلدات والدوريات
1.    عبد الرحمن بن معلا اللويحق: الأمن الفكري: ماهيته وضوابطه، بحث مقدم في الاجتماع التنسيقي العاشر الذي نظمته جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 1425 ه



[1] القرآن الكريم سورة قريش الآية رقم 3، 4
[2] القرآن الكريم سورة الأنفال الآية رقم 8/60
[3] القرآن الكريم سورة الأنفال الآية رقم 61،60
[4] عبدالحفيظ بن عبد الله المالكي: نحو بناء استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن الفكري في مواجهة الإرهاب، رسالة دكتوراه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2007 ، ص 35
[5] عبدالحفيظ بن عبد الله المالكي: مرجع سابق ص 37
[6] حيدر بن عبد الرحمن الحيدر: الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية ، أطروحة دكتوراه، مصر، اكاديمية الشرطة، الدراسات العليا، 2002، ص 48
[7] حيدر بن عبد الرحمن الحيدر: مرجع سابق ص 49
[8] عبد الرحمن بن معلا اللويحق: الأمن الفكري: ماهيته وضوابطه، بحث مقدم في الاجتماع التنسيقي العاشر الذي نظمته جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 1425 ، ص 81
[9] جبير بن سليمان الحربي: دور منهج العلوم الشرعية في تعزيز الأمن الفكري لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، بحث تكميلي مقدم إلى قسم المناهج في كلية التربية بجامعة أم القرى لنيل درجة الدكتوراه، 1428 ه، – 2008 م  ص 25 – 27  
[10] جبير بن سليمان الحربي: مرجع سابق ص 28
[11] د. عبد الرحمن الزنيدي: حقيقة الفكر الإسلامي، الرياض، دار المسلم 1422 ه – 2002 م، ط2، 10
[12] علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، بيروت ، مكتبة لبنان 1985 م 38
[13] عبد الحفيظ المالكي : نحو مجتمع آمن فكريًا، دور منهج العلوم الشرعية في تعزيز الأمن الفكري لدى طلاب الصف الثالث الثانوي ، – 2010 م، ط1، 101 – 104 ، 29 – 31
[14] عبد الرحمن السديس: الأمن الفكري، ضمن كتاب الأمن الفكري، الرياض، جامعة نايف العربية، مركز الدراسات والبحوث ،ط1،  2005 م، ص 16
[15] عبد الرحمن السديس: مرجع سابق ، ص 16-18
[16]أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: الاعتصام، بيروت، دار المعرفة، ط1 ، 1982 م ص 318 .
[17] د. حيدر عبدالرحمن الحيدر:  مرجع سابق، ص 59
[18] أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: مرجع سابق ص 318 .
[19] صحیح البخاري، 1422 ه الجزء 3 ص 120
[20] د. ناصر العقل: الاتجاهات العقلية الحديثة، الرياض، دار الفضيلة ط1 ،2001 ص 38 – 40 ، 364 – 366
[21])د. ناصر العقل: الاتجاهات العقلية الحديثة، مرجع سابق ص364 – 366
[22] د. ناصر العقل: دراسات في الأهواء والفرق والبدع، الرياض، دار أشبيليا، ط1 ، 1997 ص 149 ، 150
[23] د. عبد الرحمن اللويحق، الأمن الفكري: مرجع سابق ص  31
[24] د. عبد الرحمن اللويحق، الأمن الفكري: مرجع سابق ص  31-34
[25] القرآن الكريم سورة آل عمران19
[26] القرآن الكريم سورة النور الآية 55
[27] د. عبد الرحمن الزنيدي: حقيقة الفكر الإسلامي، الرياض، دار المسلم ، ط2، 2002 م ص 14 ، 15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي

 التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي #السلام_أولا_#