السبت، 27 أكتوبر 2018

تعريف الظاهرة الإجرامية - د. منى كامل تركي


تعريف الظاهرة الإجرامية
تعتبر الظاهرة الإجرامية في علم الإجرام والعقاب سلوك إجرامي سواء في الجانب الشخصي للفرد المجرم أو في الجانب الموضوعي للسلوك الإجرامي بصورته المجردة، حيث يرتبط الجانب الشخصي والموضوعي للسلوك الإجرامي مما يصعب الفصل بينهما، فالظاهرة الإجرامية تشمل السلوك الإجرامي بشقيه الشخصي والموضوعي معا([1])
وتعرف الظاهرة الإجرامية هي سلوك إنساني يحدث في المجتمع اضطراب بسبب خرقه لقواعد الضبط  الاجتماعي، فقد توجد أسبابها في تكوين الفرد أو في ظروف الجماعة وفي جميع الحالات تحدث اضطرابات في العلاقات الاجتماعية([2])
كما عرفها البعض بأنها مشروع إجرامي احترافي يقوم على تكرار وقوع نوع معين من الجرائم بأسلوب إجرامي واحد في منطقة جغرافية معينة وفي فترات زمنية متعاقبة سواء قامت بها جماعة إجرامية واحدة أو جماعات مختلفة([3]) وتختلف الجريمة العادية عن الظاهرة الإجرامية في أنها مشروع إجرامي يبدأ وينتهي باكتمال الوقائع المكونة للجريمة أو بحدوث الفعل الجرمي أو النتيجة الجرمية ( مادة  31/ قانون العقوبات الاتحادي) ولا تحمل الجريمة العادية معنى التكرار أو تضمن الاستمرار، فهي تقع من فاعل أو عدد من الفاعلين على ضحية أو عدد من الضحايا في وقت واحد أو أوقات متقاربة ومكان واحد وتنتهي الجريمة باكتمال عناصرها وبالفعل الجرمي([4])
أما تعدد النشاط الجرمي للفرد لا يشكل في حد ذاته ظاهرة إجرامية، كما لا تعتبر الجريمة المستمرة ظاهرة إجرامية مثل قيام شخص بالقتل تمهيداً للسرقة، والتعدد المادي للجرائم كما لو قتل المجرم عدة أشخاص في وقت واحد أو أوقات متقاربة ووقف عند حده، وكذلك حالة التعدد الصوري للجريمة مثل تطبيق أكثر من نص على جريمة واحدة فهذه الصور من الجرائم لا تمثل ظاهرة إجرامية بالمعنى المقصود في تعريف الظاهرة الإجرامية([5])
فالجريمة العادية تقع على ضحية واحدة أو عدد من الضحايا في زمان ومكان واحد أو قريب من الفعل الإجرامي الأول ولا يغير من طبيعتها بعد المكان واختلاف الزمان مادام أن الفعل الإجرامي أو الشروع به ينتهي بتحقق الجريمة، وهي مشروع فردي أو بالمساهمة ولا يتسم بالديمومة ، في حين أن الظاهرة الإجرامية تقع على عدد كبير من الضحايا، وغير محددة سلفاً، ولا يحددها الزمان ولا المكان وتتم في أوقات زمنية مختلفة أو متعاقبة وتقع في منطقة جغرافية أوسع من الجريمة العادية ، وتضمن الظاهرة الإجرامية معنى الديمومة والاحتراف المنظم حتماً([6])
وهي ظاهرة تاريخية واقعية وحقيقية إنسانية دائمة، فالجريمة تمس شعور كل فرد من أفراد المجتمع وهي اعتداء على فكرة الحياة الاجتماعية التي تقوم على التضامن بين ابناء المجتمع فضلاً عن انعكاساتها الخطيرة على توازن المصالح والقيم داخل المجتمع بما تمثله من اعتداء على تلك المصالح والقيم، فقد أولت التشريعات الاتحادية المعاقبة على الجرائم في كافة مستوياتها وأساليبها الإجرامية المستحدثة، وتحديد الخصائص المشتركة بين جميع الظواهر الإجرامية مما يسهل عملية تشخيص الظاهرة الإجرامية من قبل المختصين ورجال الشرطة وملاحقة مرتكبيها وإلقاء القبض عليهم لينالوا جزاءهم العادل على يد القضاء على ما ارتكبوه بحق أبناء مجتمعهم ([7])
خصائص الظاهرة الإجرامية: تتميز الظاهرة الإجرامية بعدد من الخصائص يذكر منها:
أولاً: الظاهرة الإجرامية مشروع إجرامي احترافي: فهي تقوم على أساس احتراف الجاني أو عدد من الجناة القيام بنوع معين من الجرائم، مثل احتراف الضرب والمشاجرات المفضية إلى الموت واشاعة الخوف والرعب والرهبة بين الناس بقصد إكراههم واغتصاب حقوقهم وممتلكاتهم
ثانياً: الظاهرة الإجرامية مشروع منظم: فهي تقوم على أساس تنظيم إداري ومالي وتخطيط مسبق للجريمة، سواء كان هذا التنظيم بدائي أو متطور فيتم قبل مباشرة الشروع الجرمي توزيع الأدوار المناطة بكل فرد من الأفراد المساهمين بها ( الجماعة) ويأخذ التنظيم مظاهر متنوعة فقد يكلف البعض بجمع المعلومات عن الضحية والبعض الآخر للمراقبة، بينما تتولى جماعة أخرى مباشرة الفعل الجرمي وقد تتولى مجموعة أخرى استلام محل الجريمة من المجموعة المنفذة وقد يتطلب الأمر مجموعة أخرى للتفاوض على محل الجريمة مثل الجرائم الإرهابية المنظمة لعمليات خطف الطائرات أو الهجوم الإرهابي على مناطق جغرافية معينة([8])
ثالثاً: الظاهرة الإجرامية تتسم بالعنف: فهي تقوم على أساس استخدام العنف ، وهو استخدام غير قانوني لوسائل القصر المادي أو البدني ابتغاء تحقيق غايات شخصية أو اجتماعية، فالضغط أو القسوة استخدام غير مشروع أو غير مطابق ضد القانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما، ويأخذ العنف وجوه متنوعة تمثل فقد للنظام المعياري ومنع الحقوق والواجبات عن أن تجازى فعلياً وينتج عنها انتشار العلاقات العدائية وافتعال الأفعال السيئة والخروج على القواعد والأعراف المألوفة واتباع أنماط سلوكية غير مرغوب فيها ونشئ صراعات واختلافات بين الأجيال بين القيم الثقافية السائدة والاعتداء بالإكراه على حقوق وحريات الأخرين، وخرق النظام والخروج عن القانون، مثل جرائم الثأر أو الجنح في محاولات ابتزاز المال بالتهديد والإكراه ، أو التهديد بإفشاء الأسرار ، أو في جرائم القذف والسب وهتك العرض([9]) 
رابعاً: الخطورة الإجرامية لمرتكبي الظاهرة الإجرامية: فأسلوب ارتكاب الظاهرة الإجرامية يكشف عن مدى خطورة مرتكبيها، وهي تتصف بالظهور الفجائي في منطقة ما كان يسودها الأمن، بصورة واضحة على السطح من خلال الارتفاع المفاجئ في معدل جرائم معينة، مع تعداد وتكرار النشاط الإجرامي والذي يؤدي إلى تعدد الضحايا أو المجني عليهم، وهي واحدة الهدف فالغرض منها واضح مثل جرائم السرقة النقود أو الاعتداء بالضرب من أجل السرقة، ويتصف القائمين بها ( الجناة) بالبراعة الفائقة في ارتكابها  حيث تنم عن براعة الجناة في الأسلوب الإجرامي، وبقدرتها على الانتشار السريع  الأمر الذي يتطلب مواجهتها والتصدي لها بشكل فوري([10])

عناصر الظاهرة الإجرامية: تتمثل عناصر الظاهرة الإجرامية في النقاط التالية:
أولا: تكرار الفعل الإجرامي: فالعنصر الأساسي في تكوين الظاهرة الإجرامية هو التكرار والتعدد، فإن وقوع حادث واحد، أو جريمة إجرامية واحدة لا يشكل ظاهرة إجرامية، ووجوب شرط التعدد لا يتطلب عدد محدد من الجرائم، ولكن تكرار وتعدد الإجرام يمثل ارتفاع معدل ارتكاب نوع معين من الجرائم بصورة غير مسبقة في المجتمع يعتبر ظاهرة إجرامية([11])
ثانياً: تطابق الجرائم المتكررة: وهي تمثل تكرار وجود نفس الجريمة في أماكن مختلفة وتماثل وتشابه طريقة أداء الجرم بحيث يمكن القول إنها تكاد تكون واحدة من شدة تماثلها، ولكي يتحقق ذلك التماثل لابد من توافر شروط منها وحدة محل ارتكاب الجرم، كأن تقع على إنسان، أو مسكن، أو متجر، أو سيارة، مع وحدة الهدف من الجرم، مثل قتل إنسان، أو اغتصاب، أو سرقة
ثالثا: وحدة الأسلوب الإجرامي: فكل مجرم محترف يتخصص في جريمة معينة وهو يرتكبها بطريقة خاصة به وحده يرى أنها أسهل الطرق، مثل محل الحادث، الآلات التي يستعملها الجاني، الهدف من الجريمة أو موضوعها، وقت الارتكاب، ملابس الجاني، طريقة التوجه لمسرح الجريمة أو الهروب منه، فيصبح أسلوبه في ارتكاب الحوادث واحدًا في كل مرة ويصبح علامة مميزة له
رابعًا: الارتباط بمسرح الجريمة: يتحدد مكان مسرح الجريمة بأن يكون المكان أو مسرح الجريمة مرتبط بمحل الظاهرة أو هدفها أو مرتكبيها ، فقد يكون الجناة من المقيمين بالمكان أو أحدهم مقيمًا به، أو يترددون على نفس المكان محل الجريمة بصفة دائمة ومستمرة
خامسا: تقارب توقيت ارتكاب الجرائم: حيث ترتكب الظاهرة الإجرامية خلال فترات زمنية متلاحقة ومتتابعة ومتقاربة في الوقت([12])


[1] د. أحمد ضياء الدين محمد خليل: الظاهرة الإجرامية بين الفهم والتحليل، دراسة نفسية قانونية للجريمة سلوكاً ومواجهة في ضوء مبادئ علمي الإجرام والعقاب، أكاديمية الشرطة، القاهرة، الطبعة الأولى 1992 ص 4
[2] جلال ثروت: الظاهرة الإجرامية، دراسة في علم الإجرام، الاسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، ط1، 1996 ص 5
[3] د. أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون العقوبات، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1996، الطبعة الأخيرة 2016 ص 145
[4] المادة (31) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 وفقاً لأحدث تعديلاته
[5]  د. عبد الرحمن محمد العيسوي: دوافع الجريمة، بيروت لبنان ، منشورات الحلبي، الطبعة الأولى 2004، ص 22
[6] د. عبد الرحمن محمد العيسوي: المرجع السابق ص 266
[7]محمد سامي قرني: التدابير الاحترازية في قوانين التشرد، الاشتباه، الأحداث، المكتبة القانونية، القاهرة، باب الخلق، طبعة 2014،ص 39
[8] د. أحمد ضياء الدين خليل: الجزاء الجنائي بين العقوبة والتدابير، دراسة تحليلية مقارنة للعقوبة والتدبير، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1993، ص 71
[9]د. يسري دعبس: البلطجة، الارهاب الاجتماعي، مفهومها، أنواعها ومظاهرها المختلفة، أسبابها واستراتيجية مواجهتها والوقاية منها، الاسكندرية، الملتقى المصري للإبداع والتنمية، الطبعة الاولى 1998 ص 9
[10]د. يسري دعبس: المرجع السابق ص 28
[11] د. حاتم حسن موسى بكار: سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية  الإسكندرية ، منشأة المعارف   2002  ص 100  
[12] د. حاتم حسن موسى بكار: المرجع السابق ص 101

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي

 التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي #السلام_أولا_#