الأحد، 19 مايو 2019

دور تكنولوجيا النانو في اكتشاف الجريمة د. منى كامل تركي

دور تكنولوجيا النانو في اكتشاف الجريمة


د. منى كامل تركي
إن عصر الثورة العلمية وما تلاه من اكتشافات تقنية وتكنولوجيا كان من أهمها الحاسبات الإلكترونية والنظم المعلوماتية أدى إلى تطور أساليب ارتكاب الجريمة وتنفيذها وقابل هذا التطور تطورا أخر من جانب أجهزة الشرطة بوزارة الداخلية في وسائل مواجهة الجريمة، فقد توصل العلم الحديث إلى معطيات الإثبات باستخدام الوسائل الحديثة، والقائم على هذه الأسس والنظريات العلمية، وأصبح الاعتماد على تلك الوسائل العلمية لإثبات الفصل في ارتكاب بعض الجرائم التي تحتاج إلى الخبرة الطبية أو الكيميائية أو الإلكترونية ([1][1])
وقد أدى التقدم العلمي المذهل وثورة التكنولوجيا إلى الاعتماد على الأساليب العلمية الحديثة في الكشف عن الجرائم ومعرفة مرتكبيها فالهدف من الإثبات الجنائي هو الوصول إلى اليقين والجزم بوقوع الجريمة، ونسبتها إلى المتهم ومن ثم إدانته وأن يتم ذلك بوسائل وإجراءات مشروعة تحترم فيها الحريات وتؤمن فيها الضمانات التي رسمها القانون لاحترام حقوق المتهم وكرامة الإنسان وكفالة حقوق الدفاع ونزاهة القضاء فقد وضع القانون طريقاً واحداً لدحض أصل البراءة ([2][2])
ومع تقدم تكنولوجيا النانو المستخدمة في المجالات الأخرى وتطبيقاتها الواسعة في تصميم وتطوير علوم المواد والأجهزة والطاقة الذرية والبيولوجيا وصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل والتكنولوجيا الحيوية وهندسة الأنسجة الحيوية والمعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات، وحماية البيئة والزراعة والأغذية والمخاطر الصحية، والتوقعات المستقبلية لدراسة المواد النانوية والتي تم تعديلها واستخداماتها في علم الطب الشرعي بما في ذلك التحليل الكروماتوجرافي السائل عالي الأداء (HPLC) ، ومجهر المسح الضوئي (SPM)، والإشعاع بالأشعة تحت الحمراء، والمسح التفاضلي للأشعة السينية الضوئية (XPS) والكتلة الزمنية للطيران (Tof-MS) ، والميكروسكوب الذري (AFM) وقد أدت هذه الأجهزة المستخدمة للمواد النانوية إلى التطور الكبير في الطب الشرعي لما أمكنها أن تكتشف وتحلل عينة في المقياس النانوي بتحليل الوحدات الفيزيائية المستخدمة كمواد مضيفة للعناصر الكيميائية ( Au-NPs ) في التحقيقات الجنائية المستخدمة في كشف بصمات الأصابع أو الأقدام وبصمة الحمض النووي(DNA) أو البصمة المستخدمة في الكشف عن المتفجرات (Nano sensor) أو البصمة الدماغية للمخ للمعلومات عن الجريمة الموجودة في الذاكرة  كأدلة إثبات جنائي لكشف الحقائق بإدانة المتهم لما تمتلكه المواد النانوية من خصائص جديدة تساعد في جمع واكتشاف وإثبات الجرائم من خلال تقنية النانو([3][3])
وقد حرصت القيادة العامة لشرطة دبي على مواكبة المستجدات والتطورات في مجال مكافحة الجريمة، ومساندة الكوادر العلمية والمتخصصة بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، وتطبيقها لأفضل المعايير العالمية في مختبراتها الجنائية وعملها في مبنى الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة، الصرح العلمي والتقني الأول من نوعه في الشرق الأوسط، فإن تخصص الأدلة الجنائية وعلم الجريمة يتطور بتطور الجريمة وابتكار الجناة لوسائل وأدوات جديدة، وهو ما يتطلب استباقهم واستشراف مستقبل التخصصات العلمية في مجال جمع واكتشاف وإثبات الجرائم من خلال تقنية النانو ، وبذل جهود حثيثة نظرا لكونه أحد الأعمدة الرئيسية للكشف عن خيوط الجريمة بالأدلة القاطعة واستنادا للأدلة العلمية المعتمدة
كما أن هناك أساليب تكنولوجية حديثة تسهم في مجال الإثبات الجنائي، مثال رسم صور المتهمين والمشتبه فيهم بواسطة الحاسب الآلي بناء على الأوصاف التي يتم الحصول عليها من شهود الواقعة أو المجني عليهم من خلال برنامج Suspect ID، بالإضافة إلى وجود جهاز يركب في السيارة يرسل ويستقبل إشارات معينة من خلالها يعرف مكان وجود السيارة وتستقبل الإشارات عن طريق حاسب مركزي وبطريقة إلكترونية، وتتم بواسطة هذا الجهاز متابعة السيارة وأين توجد ويفيد هذا عند سرقة السيارة بمعرفة مكان تواجدها بالتحديد، فيتم ضبط الواقعة([4][1])  
وكذا توجد كاميرا غير مرئية للأصوات الفجائية تدس في بعض الأماكن، وتعمل عند حدوث صوت فجائي كإطلاق النار أو أصوات الشغب والعنف الفجائي، وتسجل الكاميرا الأصوات وتصور الجناة، وتستخدم هذه الكاميرات في حوادث الشغب، كما تستخدم أيضاً في البنوك لضبط أي واقعة تعدي، بالإضافة إلى أساليب ووسائل أخرى عديدة حديثة تستخدم في الإثبات الجنائي، فيتم التعامل مع الأدلة المتعلقة بالحمض النووية والبصمة الوراثية ورفع آثار الدماء وتحديد ماهيتها، وبيان علاقتها بمسرح الجريمة وربطها بالجاني أو المجني عليه، وفحص إفرازات الجسم المختلفة للتعرف على شخصية الجاني في حوادث القتل والاغتصاب وغيرها من الاعتداءات الجنسية باستخدام تحاليل البصمة الوراثية وغيرها، فيما تتمثل مهمة قسم الحرائق بالانتقال ضمن فرقة الأدلة الجنائية إلى أماكن حوادث الحريق لتحديد أسبابها وكيفية وقوعها، ومعاينة أماكن الانفجارات لتحديد الآثار الناجمة عنها بعد الحادث والتعليق على التقرير المصور ([5][2])
 أن شرطة دبي تعد من أوائل الجهات الأمنية في العالم التي تمتلك أحدث المختبرات العلمية العصرية في التحليل والكشف عن الأدلة المادية والمعنوية للجرائم المرتكبة بل وتمتلك أحدث التقنيات التي تساعد في استخراج نتائج مؤكدة في أوقات قياسي ويختص قسم المستندات بإجراء الفحوص الفنية على الوثائق والمستندات والعملات الرسمية أو العرفية والكشف عن التزييف والتزوير، وتتمثل مهمة قسم الأسلحة والآلات في معاينة مسارح حوادث السرقات والسطو وتحديد الأدوات المستخدمة في الجريمة ورفع آثار الآلات ومقارنتها بالأدوات المضبوطة، وتحديد دخول وخروج المقذوفات النارية ومسافة الإطلاق على الأجسام المصابة، والتأكد من آثار الطلق الناري ومكوناته الكيميائية، وتتولى إدارة الأدلة الإلكترونية، فحص جميع القضايا المتعلقة بالحاسب الآلي من الناحية الفنية وتحليل الأنظمة والبرامج وفحص شبكات الاتصال وتقديم المشورة لحماية قواعد المعلومات ونظراً لوجود هذا التطور الهائل في الأجهزة وتكنولوجيا الإثبات الجنائي، فإن هذا يتطلب تخصص رجال الأمن والعدالة في مجالات محددة والتدريب على أساليب العمل وتقنياته والأجهزة المستخدمة بدقة وإتقان، ويعتبر العمل على الحاسب الآلي وفهم تقنياته وبرامجه من أسس العمل التكنولوجي في مجال الإثبات الجنائي([6][1])
الفيزياء النووية والهندسة الجنائية في كشف الجريمة: ان البحث عن وجود البقع الدموية وإن كان يختلف من جريمة إلى أخرى حسب نوع الجريمة التي يجري التحقيق فيها، إلا أن ما يمكن قوله بصورة عامة أن البحث عن البقع الدموية يتركز على مسرح الحادث، وملابس وجسم المشتبه به، وملابس وجسم المجني عليه بالإضافة إلى الأدوات التي استعملها الجاني في ارتكاب الجريمة أو نحوها، فإن أفضل الاستراتيجيات التي تتبعها هي إعادة بناء مسرح الجريمة، وتُسمّى هذه العملية بشكل عام تنميط الجاني وهي أداة تحقيق سلوكية تساعد المحققين في التنبؤ، وتحديد أنماط دقيقة لمواصفات الجرائم، والجناة المجهولين، فإن العملية الفعلية لإعادة تمثيل كيفية وقوع الجريمة وتعد بقع وقطرات الدماء أحد الوسائل الهامة في الكشف عن ملابسات الجريمة، فأن بقع الدم لها نمط خاص، ويمكن للمحللين تتبع مصدر الدماء بتطبيق قوانين الفيزياء([7])
أن نظام التحقيقات الجنائية يسهم في اعادة بناء مسرح الجريمة بطريقة الأبعاد الثلاثية في مسرح الجريمة النووية أيضا في قضايا فحص الأحياء بأنواعها المختلفة مثل حالات الإيذاء البدني فيبين الطبيب الشرعي وجود الإصابة من عدمه، ويعين سببها والأداة المحدثة لها ويحدد مدة علاجها وهل يتخلف عنها عاهة مستديمة أم لا، كما تُعرض على الطب الشرعي قضايا الجرائم الجنسية لفحص أطرافها وبيان الأدلة المادية التي تدين المتهمين، والإدارة الفرعية الأخرى تتمثل في إدارة البصمات التي تختص بقراءة وتصنيف البصمات ومقارنتها مع البصمات المحفوظة لدى الإدارة ، وإظهار البصمات غير المرئية من على الأسطح المختلفة في أمكان الحوادث وتضم أربعة أقسام  كومبيوتر البصمة ورفع ومقارنة البصمات وأرشفة البصمات والإظهار الكيميائي ويستفاد من إدارة التفتيش الأمني K9  في مسرح الحادث لتعيين أماكن المواد المتفجرة والمخدرات، وأماكن وجود الجثث في حال وقوع الكوارث، فتضم قسمي الشؤون الفنية والرعاية الصحية، بينما تختص إدارة التطوير والتدريب والأبحاث بتوفير المراجع العلمية والدورات التخصصية لتمكين الخبراء من مواكبة التطورات وتشجيعهم على إجراء الأبحاث والدراسات المخصصة التي تسهم في نشر المعرفة وتبادل المعلومات






[1][1])) د. عمر عبدالمجيد مصبح: دور بقع الدم في اكتشاف وإثبات الجرائم من خلال تقنية النانو، مرجع سابق ص49
[2][2])) د. الهاني طايع: تكنولوجيا بصمة المخ في الإثبات الجنائي، الشاهد الذي لا يخطئ، القاهرة، دار النهضة العربية، ط1، 2013، ص 7
[3][3])) فاندان براسادا ، سالي لوكوسيب، لاليت براسادا:  تطبيقات الطب الشرعي الناشئة في تقنية النانو، المجلة الدولية للهندسة والعلوم الطبية (IJEAS) المجلد 2، فبراير ، 2016،  صادرة عن مدرسة العلوم الأساسية والتطبيقية ، جامعة جلاجوتس، نويدا الكبرى، ولاية أوتار براديش، الهند ص 7
[4][1])) المحكمة الاتحادية العليا في الطعن الجزائي رقم 68 لسنة 2016
[5][2])) محكمة تمييز دبي في الطعن الجزائي رقم 704 لسنة 2014
[6][1])) د. أحمد بوسف الطحاوي: الأدلة الإلكترونية ودورها في الإثبات الجنائي، دراسة مقارنة، القاهرة، دار النهضة العربية، ط1، 2015، ص 2-3
[7])) عمر عبد المجيد مصبح : دور بقع الدم في اكتشاف وإثبات الجرائم من خلال تقنية النانو، بحث منشور في المناهل العربية للدراسات الامنية، الرياض، 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي

 التعايش السلمي في القانون الدولي العام دكتورة منى كامل تركي #السلام_أولا_#